بدأ الإستخلاف في المال في التصور الإسلامي
مبدأ الإستخلاف في المال في التصور الإسلامي
مبدأ الإستخلاف في المال في التصور الإسلامي
أولا : مفهوم الاستخلاف في المال في التصور الإسلامي
- مفهوم الاستخلاف يحدد الغاية من الوجود الإنساني وأدواره الكونية
- مبدأ الاستخلاف في المال ينظم علاقة الإنسان بالمال، من خلال تهذيب حب التملك لتحسين استثمار الثروات والخيرات المشتركة بين البشر.
1. الخلافة مهمة الإنسان الوجودية:
الاستخلاف في المفهوم الإسلامي يعني : عمارة الأرض وفق المنهج الإلهي وذلك بحصر الإنسان جهده وهمه في الاقتراب من الله تعالى ، وسيلته في ذلك : العمل الدائم والكدح المستديم حتى تبلغ الذات درجة الاكتمال أي ملاقاة الله تعالى : " ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " . سورة الانشقاق / الآية : 6.
2. مبدأ الاستخلاف في المال:
يتأسس هذا المبدأ على أن المال مال الله ، وأن الإنسان موكل على التصرف فيه بمقتضى شريعة الله ، ويرسي هذا المبدأ قواعد أساسية لنظرة الإسلام إلى الملكية والحيازة ، والتصرف بالمال والثروة.
أ- مفهوم متميز للملكية والحيازة : يرفع الإسلام يد الإنسان ويجرده من التملك الحقيقي للمال ويعتبره وكيلا ومستخلفا ، ويجعل المال الذي في حوزته في حكم الوديعة والعارية.
ب- مفهوم التصرف المقيد بمقتضى مبدأ الاستخلاف في المال : يوجب الإسلام الإنسان إخضاع تصرفاته المالية لشرع الله تعالى ، وذلك بالكسب والإنفاق الحلالين.
ثانيا : أهمية المال وقيمته في الحياة الإنسانية:
يركز الخطاب الشرعي المتعلق بالمال على حقيقتين أساسيتين:
· المال قوام الحياة الإنسانية : أ- يعرض الإسلام المال باعتباره عماد الحياة وقوامها الذي به تنتظم شؤونها ، قال الله تعالى : " ولا توتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما".
سورة النساء / الآية : 5
ب – يوجه الإسلام الأنظار إلى خطر المال وعلو شأنه فيصفه بأنه زينة الحياة ، لذلك شرع مجموعة من الأحكام الضابطة لوجوه كسبه واستثماره ، والمحققة لحسن تدبيره واستهلاكه، قال الله عز وجل : " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " سورة الكهف / الآية :46
* المال شهوة وفتنة:
أ- يقرر الإسلام الميل الغريزي للإنسان للتملك وجمع المال والثروات، وهو ميل قوي قد يحرفه عن سبيل الاستقامة والاعتدال : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب " سورة آل عمران / الآية :14
ب – يحذر الإسلام من فتنة المال : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم "
سورة التغابن / الآية :15
يربط بينه وبين دوافع الطغيان وجب السيطرة والامتلاك الكامنة في الإنسان ، ويؤكد حاجة الإنسان إلى الطاقة الروحية المهذبة لغريزة التملك عنده ليحافظ على توازنه.
ثالثا : آثار مبدأ الاستخلاف في ترشيد تعامل المجتمع مع المال:
تعاني البشرية من المشكلة الاجتماعية ، وهي في بحث حثيث على نظام اجتماعي اقتصادي يصلح حال الإنسانية ، ويحقق التوازن العادل بين أفرادها دون إهدار طاقتهم وإمكانتهم في صراعات حول تلك الحاجات ، وذلك لتحقيق الغاية الكبرى من خلق الإنسان.
ويعتبر مبدأ الاستخلاف في المال حلا للمشكلة الاجتماعية ، لأنه يقوم على التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الاجتماعية .
ومبدأ الاستخلاف في المال بمنظومته التشريعية المتكاملة:
- يرشد التصرف في الثروة وفق المنهج الإلهي القائم على أساس الكفاية والتوزيع للثروات فيجعل الملكية الفردية في خدمة المجتمع ، ويجعل التكافل الاجتماعي واجبا شرعيا كفائيا على كل من الفرد والمجتمع، فيؤدي هذا على :
- اختفاء التفاوت الطبقي- إحلال الاستقرار والسلام الاجتماعيين – ترشيد علاقة الإنسان بالمال والثروة من خلال عدم طغيان النزعة العدوانية الجشعة للاستئثار بالمال واحتكارها وحرمان الآخرين منها.
رابعا: كيف يهذب الإسلام غريزة التملك
الإسلام يهذب غريزة حب التملك، ويطورها ، ويوسع آفاقها، ويوظفها في خدمة الإنسان والمجتمع، ويحولها من وسيلة لتحقيق اللذة والمنفعة على حساب الآخرين، إلى أداة لتحقيق اللذة والمنفعة في خدمة الآخرين وفي طريق مرضاة الله ، والفوز بالآخرة.
· منهج الإسلام في تهذيب غريزة التملك : يحقق الإسلام هذا التهذيب عن طريق :
أ-ربط دوافع السلوك البشري بعلة سامية متمثلة في الله تعالى والحياة الأخرى ، وبمنظومة تشريعية متكاملة تضمن تحقيق التوازن في شخصية الفرد ، وتحرره من الانصياع لفتنة المال.
ب-تنبيه الإنسان إلى ضرورة الكدح ، ومواجهة ميول النفس البشرية في الانشداد إلى الأرض ، أو الافتنان بزينتها الزائلة، ومقاومة نزعات التملك والتسلط والهيمنة.
وهذا المنهج لا يحرر الإنسان من سطوة المال وطغيانه فحسب ، بل يؤسس لمفهوم جديد للامتلاك يقوم الزهد بمعناه الإيجابي، لا بمفهومه السلبي الهروبي من التزامات الحياة ، الأمر الذي يقود الإنسان إلى الإحساس بأنه ما دام يمتلك كفايته من الطعام والسكن والأمن، فهو مؤهل للإحساس بامتلاك جميع الطيبات في هذه الدنيا.