الحمد الله وحد نحمده ونشكره ونستعين به ونستغفره ونعود بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادية له
أشهد ان لا إله الى الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بالإحسان الى يوم الدين .
أما بعد :
فإن أحق ما تصرف فيه الأوقات، ويتنافس في نيله ذوو العقول: تعلم العلم النافع، الذي به تحيا القلوب، وتستقيم الأعمال، وتزكو به الخلال.
ولقد أثنى الله جل ذكره وتقدست أسماؤه على العلماء العاملين، ورفع من شأنهم في آيات كثيرة من كتابه الكريم، من ذلك قوله سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
فنفى سبحانه التسوية بين أهل العلم وبين غيرهم، وذلك يقتضي تفضيلهم على من سواهم.
وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
فأخبر سبحانه عن رفعة درجات أهل العلم والإيمان خاصة.
وأمر سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله الزيادة من العلم بقوله: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي علمًا}.
قال الحافظ ابن حجر:
" وهذا واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله لم يأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم " ا. هـ.
ومما يدل على فضل تعلم العلم النافع حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سلك الله له به طريقًا إلى الجنة).
الحديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - مجالس العلم وحلقات الذكر: رياض الجنة، وأخبر أن العلماء هم ورثة الأنبياء...
ولو ذهبنا نتتبع ما جاء في فضل العلم من الآيات والأحاديث وأقوال الأئمة، لطال بنا المقال، فنكتفي من ذلك بما تحصل به الإشارة.
أنواع العلوم وحكم تعلمها:
العلم قسمان: علم نافع، وعلم ضار.
والنافع ينقسم إلى قسمين:
ما نفعه يتعدى ويستمر في الدنيا والآخرة، وهو العلم الديني الشرعي.
وما نفعه جزئي وقاصر على الحياة الدنيا، كتعلم الصناعات، وهو العلم الدنيوي.
والعلم الشرعي قسمان: علم التوحيد الذي هو الأصل، وعلم الفروع الذي هو الفقه وما يتعلق به.
وأما العلم الضار، فكعلم السحر، وعلم التنجيم الذي هو علم التأثير.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن يحيى بن عمار أنه قال:
" العلوم خمسة: علم هو حياة الدين وهو علم التوحيد، وعلم هو غذاء الدين وهو علم التذكر بمعاني القرآن والحديث، وعلم هو دواء الدين وهو علم الفتوى إذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه منها، كما قال ابن مسعود، وعلم هو داء الدين وهو الكلام المحدث، وعلم هو هلاك الدين وهو علم السحر ونحوه ".
حكم تعلم هذه العلوم:
1 - تعلم العلم الشرعي ينقسم إلى قسمين: ما هو فرض عين، وما هو فرض كفاية.
فالذي تعلمه فرض عين هو ما لا يسع أحدا جهله، مما لا يستقيم دين الإنسان بدونه، وذلك كعلم التوحيد الذي يتضمن معرفة حق الله على عباده، من عبادته وحده لا شريك له، وما يجب إثباته له من الأسماء والصفات، وما يجب تنزيهه عنه من النقائص والعيوب. وكذا تعلم أحكام العبادات مما لا تصح العبادة بدونه، من الصلاة، وزكاة، وصيام، وحج.
والذي تعلمه فرض كفاية هو ما زاد عن ذلك، من أحكام المعاملات، والمواريث، والأنكحة، والجنايات... وما إلى ذلك، فهذا القسم إذا قام به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين، ويبقى تعلمه في حقهم من أفضل أنواع التطوع.
ويلتحق بالعلم الديني ما يستعان به عليه، كعلم النحو، واللغة، والتاريخ، والحساب.
2 - وأما تعلم العلم الدنيوي، كتعلم الصناعة، فهذا يشرع إن كان بالمسلمين حاجة إليه، وإن لم يكن هناك حاجة، فهو مباح، بشرط أن لا يزاحم العلوم الشرعية، وأن لا يكون من تعلم الصناعات المحرمة، كصناعة آلات اللهو، وآلات التصوير المحرم، وعلم الموسيقى.
3 - وأما العلم الضار، فيحرم تعلمه، بل قد يكون كفرا، كتعلم السحر، قال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} الآية.
العلم والعمل:
العلم النافع والعمل الصالح قرينان لا يصلح أحدهما بدون الآخر، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}.
فالهدى: هو العلم النافع. ودين الحق: هو العمل الصالح. والناس بالنسبة لهما أقسام:
القسم الأول: الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، وهؤلاء قد هداهم الله صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
القسم الثاني: الذين تعلموا العلم النافع، ولم يعملوا به، معهم علم بدون عمل، وهؤلاء على طريقة المغضوب عليهم.
القسم الثالث: الذين يعملون بلا علم، وهؤلاء أهل الضلال، وهم النصارى.
فالحاصل أن الأقسام ثلاثة: أهل العلم والعمل، أهل علم بلا عمل، أهل عمل بلا علم.
ويشمل الأقسام الثلاثة قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}... إلى قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} من سورة الفاتحة.
ذقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -:
" وأما قوله: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، فالمغضوب عليهم: هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم، والضالون: العاملون بلا علم. فالأول صفة اليهود، والثاني صفة النصارى.
وكثير من الناس إذا رأى في التفسير أن اليهود مغضوب عليهم، وأن النصارى ضالون، ظن الجاهل أن ذلك مخصوص بهم، وهو يقرأ أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء، ويتعوذ من طريق أهل هذه الصفات.
فيا سبحان الله! كيف يعلمه ويختار له ويفرض عليه أن يدعو ربه دائما مع أنه لا حذر عليه منه، ولا يتصور أن فعله هذا هو ظن السوء بالله " ا. هـ.
من أين يستمد العلم النافع:
يستمد العلم النافع من الكتاب والسنة، تفهما وتدبرا، مع الاستعانة على ذلك بكتب التوحيد والتفسير وشروح الحديث وكتب الفقه وكتب النحو واللغة، فإن قراءة هذه الكتب طريق لفهم الكتاب والسنة.
ولكن ينبغي التنبه لدسيسة خبيثة راجت عند كثيرين من الشباب على أيدي بعض المغرضين الذين يتسمون بالموجهين وبالمفكرين، صرفوا بها أكثر الشباب عن الكتب النافعة، وتلك الدسيسة هي قولهم مثلا عن كتب التوحيد التي تتضمن بيان مذهب السلف الصالح وأتباعهم في أسماء الله وصفاته، والرد على المعطلة من جهمية ومعتزلة وأفراخهم، والتي تتضمن بيان توحيد العبادة، وما يناقضه أو ينقصه من الشرك، يقولون: إن هذه كتب قديمة ترد على قوم قد هلكوا، وتناقش شبها قد انقرضت، فينبغي أن نتركها ونشتغل برد المذاهب المنحرفة الجديدة، كالشيوعية، والبعثية... وما إليها. ويقولون عن كتب الفقه مثلا: إنها كتب معقدة، وفيها افتراضات بعيدة الوقوع، نتركها ونستنبط من الكتاب والسنة حلولا لمشاكلنا... إلى آخر ما يقولون.
والجواب عن ذلك من وجوه:
1 - أننا إذا تركنا هذه الكتب، ما استطعنا الرد على تلك المذاهب الجديدة، لأن هذه الكتب تعلمنا طريقة الرد، وكيفية الاستدلال، فإذا تركناها، كنا بمنزلة من يلقي سلاحه ويلقى عدوه بلا سلاح، فماذا تكون نتيجته إذن؟ ! إنها الهزيمة والقتل أو الأسر.
2 - إن الطوائف التي ترد عليها كتب التوحيد لم تنقرض، بل لها أتباع موجودون يعتنقون ما كانت عليه، من تعطيل الأسماء والصفات، وتأويلها، والإشراك في العبادة، يتكلمون بذلك وينشرونه في مؤلفاتهم وتعليقاتهم على الكتب المطبوعة، فكيف يقال: إن هذه الطوائف انقرضت؟ !
3 - وعلى فرض أن هذه الطوائف الضالة انقرضت، ولم يبق لها أتباع، فالشبه والتأويلات التي ضلت بسببها موجودة في الكتب الموروثة عنها، والتي يخشى من وقوعها في أيدي من لا يعرف حقيقتها، فيضل بسببها، أو تقع بأيدي مضللين يضلون بها الناس، فلا بد من دراسة ما يضادها ويبين بطلانها من كتب أهل السنة والجماعة.
4 - أن المذاهب المنحرفة الجديدة في الغالب منحدرة من مذاهب منحرفة قديمة، قد رد عليها العلماء السابقون في كتبهم، فإذا عرفنا بطلان القديم، عرفنا بطلان ما انحدر عنه.
5 - على فرض أن هذه المذاهب الجديدة ليس لها أصل في القديم، فلا منافاة بين رد الباطل القديم ورد الباطل الجديد، لئلا يغتر بهما، فالباطل يجب رده حيث كان، قديمه وحديثه، والله تعالى ذكر في القرآن ما كان عليه الكفرة السابقون، وما كان عليه الكفرة المتأخرون، ورد على الجميع.
6 - وأما قولهم عن كتب الفقه: " إنها معقدة الأسلوب، وفيها افتراضات غريبة "، فهذا إن صح إنما يصدق على بعض المتون لأجل الاختصار، وهي قد بسطت في شروحها ووضحت، فزال التعقيد.
وأما الافتراضات، فهي حلول لمشاكل يتصور وقوعها، فهي رصيد ثمين للأمة، مستنبط من الكتاب والسنة، لا يستهان به.
فكتب أسلافنا هي ذخيرتنا التي يجب أن نحافظ عليها، وأن نستفيد منها، ولا ننخدع بدسائس الأعداء المغرضين الذين ساءهم ما في هذه الكتب من بيان الحق ورد الباطل الذي ورثوه عن أسلافهم من جهمية ومعتزلة، فراحوا يثيرون الشبه حولها، ويزهدون فيها، {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}.
ولكن، لا يزال - ولله الحمد - من أهل الحق بقية لا تنطلي عليهم هذه الدعايات الزائفة ضد تراثهم المجيد.
وقد قيض الله لهذه البلاد - ولله الحمد - جامعات إسلامية تقوم على دراسة التراث الإسلامي وإحياؤه ونشره - متمثلا ذلك في مناهجها الدراسية -، وتحقيق الكتب السلفية، وطبعها، وتوزيعها، كجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القري، وكذا ما تقوم به الجامعات الأخرى في المملكة وغيرها من جهد مشكور في هذا السبيل.
نسأل الله أن يعين القائمين عليها ويثيبهم.
وختاما، أوصي إخواني المعلمين والمتعلمين بتقوى الله سبحانه، فالله يقول: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}، و{كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}، وأن يخلصوا النية لله في تعلمهم وتعليمهم.
والله أسأل أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
طريق الوصول إلى العلم النافع
الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء يخلفونهم في تعليم العلم النافع نقيا من تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والله وصحبه أجمعين.. وبعد..
فإن الله سبحانه وتعالى عظم من شأن العلماء العاملين. فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليله البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثه الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذة أخذ بحظ وافر) والنصوص في هذا المعنى كثيرة مشهورة وفيها الحث على تعلم العلم وتعليمه لأنه لا يصلح أمر الدنيا والآخرة إلا به. ولهذا أمر الله سبحانه بتعلم العلم قبل القول والعمل قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} فلا يحل لأحد أن يقول في مسائل الدين وأحكام الحلال والحرام بدون علم لأن ذلك قول على الله سبحانه بلا علم وقد حرم الله ذلك أشد التحريم بل جعله قرينًا للشرك. قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فيلزم الجاهل أن يتعلم من العالم.
وتعلم العلم على نوعين:
النوع الأول: فرض على الأعيان لا يعذر أحد بتركه وهو تعلم ما يستقيم به دينه وتصلح به عقيدته وصلاته وزكاته وصيامه وحجه وعمرته فتعلم هذه الأمور واجب على كل شخص بعينه.
النوع الثاني: ما زاد عما ذكر كأحكام المعاملات والمواريث والأنكحه والقضاء فهذا تعلمه واجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإن تركه الكل أثموا.
وتعلم العلم بنوعيه العيني والكفائي إنما يتلقى عن العلماء الثقاة الذين حملوه بأمانة، قال - صلى الله عليه وسلم - (يحمل هذا العلم في كل خلف عُدُولُه) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (العلماء ورثة الأنبياء) فكما أن العلم يتلقى عن الأنبياء حال وجودهم في الناس فكذلك يتلقى عن خلفائهم وورثتهم بعد موتهم وهم العلماء ولا تخلو الأرض – ولله الحمد - في كل وقت من قائم منهم لله بحجه.
فيجب على المسلمين أن يتلقوا العلم عنهم ويعملوا بتوجيهاتهم – لكننا في هذه السنوات الأخيرة مع الأسف الشديد – نرى كثيرًا ممن يرغبون في العلم خصوصًا الشباب قد عدلوا في هذه الطريقة فعدلوا عن تلقي العلم عن العلماء الثقات إلى تلقي العلم إما عن أناس جهال لا يعرفون مدارك الأحكام ومناط الحلال والحرام وإما عن أناس غير معروفين بالثقة والأصالة في العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا الصنيع سيئول بهم إلى ما لا تحمد عقباه قال بعض السلف " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم فقد هلكوا ".
فيا شباب المسلمين ويا طلبة العلم اتصلوا بعلمائكم وارتبطوا بهم وتلقوا العلم عنهم ارتبطوا بالعلماء الثقات المعروفين بسلامة المعتقد وسلامة الاتجاه لتأخذوا عنهم العلم وتصلوا السلسلة بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - كما كان أسلافكم على ذلك فما زال المسلمون يتلقون هذا العلم عن نبيهم بواسطة علمائهم جيلًا بعد جيل.
هؤلاء الذين تحدثنا عنهم صنف وهناك صنف آخر من المتعلمين يتلقى العلم عن الكتب ولا يتصل بالعلماء زاعمًا أنه يستغني بتلك الكتب عن العلماء وهذا خطأ عظيم ويترتب عليه خطر كبير لأن الكتب ما عدا كتاب الله وسنة رسوله فيها الغث والسمين وفيها الخطأ والصواب بل في بعضها الدس والكذب على الإسلام وزرع الشبهات. والمتعلم المبتدئ لا يميز بين ما فيها من النافع والضار بل ربما يكون الضار أعلق بذهنه فلا بد له من معلم بصير يفحص له الكتب ويضع يده على ما فيها من نافع وضار وخطأ وصواب.
ومن ثم كان طلبة العلم قديمًا يسافرون إلى الأقطار النائية ليلتقوا بالعلماء ويتلقوا عنهم العلم النافع ولم يكتفوا بمطالعة الكتب فهذا الإمام أحمد سافر الأسفار الطويلة لرواية الحديث وهذا الإمام محمد بن عبد الوهاب سافر من نجد إلى الحجاز وإلى الأحساء وإلى البصرة للأخذ عن العلماء وهذا وهذا وأخبارهم في ذلك طويلة فلو كانت الكتب تكفي كان بإمكانهم الحصول على نسخ منها ولم يتكلفوا عناء الأسفار في وقت لم تكن سيارة ولا طائرة.
وخلاصه القول: أن الكتب إنما هي أداة فقط لا تغني عن المعلم.
وهناك صنف من متعلمي زماننا ظهر أخيرًا يقول للمبتدئين: لا ترجعوا إلى الكتب ولا تراجعوا العلماء بل اقرءوا القرآن والأحاديث واستنبطوا الأحكام من نصوصهما. يقولون هذا وأغلبهم قد لا يحسن قراءة الآية من القرآن على الوجه الصحيح فضلًا عن معرفة معناها.
هذا الصنف أخطر من الذي قبله لأنه لا يعرف قواعد الاستدلال ومعلوم أن النصوص فيها المحكم وفيها المتشابه وفيها المجمل والمبين وفيها الخاص والعام وفيها المطلق والمقيد والأحاديث فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وعلاوة على ذلك فإن هناك أدلة غير هذين الأصلين فهناك الإجماع والقياس وهناك الأدلة المختلف فيها عند الأصوليين.
وهذه المدارك لاستنباط الأحكام لا يعرفها إلا الراسخون في العلم لا كل العلماء فكيف بهؤلاء المبتدئين يسطون على النصوص ويهجمون على الأحكام من غير بصيرة إنه يجب الأخذ على أيديهم لئلا يهلكوا أنفسهم ويهلكوا غيرهم وليس لهم من حجه يبررون بها صنيعهم هذا إلا الفرار من التقليد ولا بد لمثلهم من التقليد لأن الذي يجب عليه الفرار من التقليد هو العالم المتمكن من الاستنباط والاجتهاد وهو من توفرت فيه معرفه الأمور التي سبق شرحها أما من لم يكن كذلك ففرضه التقليد قال تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فاتقوا الله يا معشر المتعلمين واتقوا الله يا علماء المسلمين فخذوا بأيدي هؤلاء إلى جادة الصواب ووجهوهم الوجهة الصالحة وامنحوهم من وقتكم ومن علمكم ما يبرئ علتهم ويروي غلتهم ليسعد بهم مجتمعهم وتصلح بهم أمتهم. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين...
البيان لاخطاء بعض الكتاب
(مجموعة ردود ومناقشات في مواضيع مختلفة)
بقلم
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء ، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء