منهج التأصيل القرآنى
أولا : منهجنا فى الحياة هو الدعوة لله تعالى على بصيرة اتباعا للسنة الحقيقية لخاتم الأنبياء عليهم السلام :
أمر الله جل وعلا رسوله محمدا عليه السلام فقال له (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ( يوسف 108 ) فسبيل رسول الله عليه السلام فى حياته كان الدعوة الى الله تعالى على بصيرة ، وهو نفس سبيل وطريق كل من اتبعه من المسلمين الى يوم القيامة . ونحن نرجو أن نكون من أتباعه عليه السلام فى الدعوة الى الله تعالى على بصيرة ..نحن نتمنى أن نحوز شرف أن نكون من أتباعه عليه السلام، وهذا الشرف لا يتحقق لنا إلا بأن ندعو مثله عليه السلام ـ الى الله على بصيرة ..
فماهى البصيرة ؟ وماهى الدعوة التى تكون على بصيرة ؟
الاجابة من القرآن العزيز . يقول الله جل وعلا عن القرآن مخاطبا البشر جميعا (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ .) (الأنعام 104) وفى الاية الكريمة جاء وصف القرىن الكريم بأنه بصائر ، أى كلامه مبصر بنفسه ، وهو أرقى تعبير يقال عن الوضوح الكامل لأى كلام مكتوب . فآيات القرآن الكريم منيرة بنفسها ونور بذاتها ، يستطيع أن يراها بعقله كل من يطلب الهداية ،أى كل من كان له بصيرة ،أى رغبة مخلصة فى الهداية ، ولا يراها كل من عمى عن الهداية . هذا هو الجزء الأول من معنى الآية الكريمة ،أما الجزء الاخر فهو التأكيد على حرية المعتقد لكل انسان فمن أبصر واهتدى فلنفسه ومن ضل وعمى فعلى نفسه ، وليس الرسول عليه السلام مسئولا عن أحد ، وليس متحملا لمسئولية أحد .
فالآية الكريمة (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ .)( الأنعام 104) تؤكد أن القرآن الكريم هو كتاب الدعوة المضىء ، كما تؤكد على حرية المعتقد وحرية الايمان وحرية الكفر ، ومسئولية كل انسان على اختياره العقيدة.
وهذا هو دستورنا فى الدعوة : الدعوة بالقرآن ، والتسليم بحرية كل انسان فى اختيار عقيدته ومسئوليته أمام الله تعالى على ذلك الاختيار. هذا الدستور هو نفس منهج الدعوة الذى سار عليه خاتم النبيين عليهم السلام.
منهجنا فى الدعوة هو نفسه منهج خاتم النبيين عليه السلام :
قال تعالى لخاتم الأنبياء عليهم السلام فى بداية سورة الأعراف
كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) فالله جل وعلا أنه أنزل الكتاب ( القرآن الكريم ) على خاتم النبيين وينهاه ألا يتحرج من أن ينذر الناس به ، ويأمر المؤمنين المتبعين للنبى باحسان أن يتذكروا ذلك فلا يتحرجوا من الانذار بالقرآن الكريم بمثل ما كان يفعل خاتم النبيين . ونحن أهل القرآن نتمسك بالقرآن الكريم ولا نتحرج فى انذار الناس به .
ثم يقول رب العزة للمؤمنين (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ. ) ولذا فنحن نتبع القرآن الكريم الذى أنزل الينا من ربنا ولا نتبع غير القرآن كتابا ، ولا نؤمن بغير الله تعالى وليا .. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا متمسكين بهذا المنهج وألا يجعلنا من الذين لا يتذكرون .
وجوهر الدعوة الى الله تعالى تذكير وانذار وتبشير . فبماذا كان يمارس عليه السلام دعوته ؟
إن الله تعالى يقول لخاتم النبيين عليهم السلام : (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ) ( الانعام 51 ) فقد كان عليه السلام ينذر بالقرآن الكريم ، ونحن أهل القرآن منهجنا أن ننذر بالقرآن .
ويقول تعالى عن القرآن مخاطبا رسوله عليه السلام : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا ) ( مريم 97 ) ونحن على نفس المنهاج والسنة ننذر ونبشر بالقرآن الكريم . ويقول جل وعلا لرسوله عليه السلام
فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ. ) (ق 45 ) ونحن أهل القرآن نتمسك بسنته عليه السلام ، وبالقرآن الكريم نقوم بتذكير قومنا المسلمين ممن يخافون الله تعالى.
ثانيا : من الدعوة بالقرآن الى التأصيل القرآنى
الدعوة الى الله تعالى تعنى تطهير عقائد الناس من اتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى ، وتطهير عقائدهم من الايمان بأكاذيب منسوبة لله تعالى ورسوله . أى الدعوة الى الايمان بالله جل وعلا وحده ألاها لا شريك له ولا مثيل ولا واسطة ولا نظير ، والى الايمان بالكتاب (القرآن الكريم ) وحده مصدرا الاهيا للمسلمين ، ومرجعية عليا لكل من أراد الهدى من اهل الكتاب.
هذه الدعوة (الايمانية ) أو الهداية الايمانية تستلزم هداية علمية أو (تأصيلا قرآنيا ) يضع الحلول الاسلامية القرآنية للمسلمين ، ويقوم بعمليتى هدم وبناء معا ، أى توضيح حقائق القرآن الكريم فى الأمر المعروض وهدم ما يخالفها مما توارثه المسلمون وما وجدوا عليه آباءهم .
فمثلا يعتقد أغلبية المسلمين فى شفاعة النبى محمد و شفاعة الأولياء والأئمة ، ومفهوم الشفاعة عندهم يتراوح ما بين الشفاعة العظمى للنبى محمد عليه السلام الى تدخله وتدخل غيره من الأئمة و الأولياء فى خروج أصحاب النار منها الى الجنة الى إعفاء آخرين من دخول النار أصلا وإدخالهم الجنة..ولهذه المعتقدات أحاديث تمت كتابتها بعد موت خاتم الأنبياء عليهم السلام بقرنين وأكثر، ولهم أيضا تحريفات لمعانى آيات القرآن الكريم وأخراجها عن مفهومها وتجاهل آيات آخرى ، وبهذا التلاعب بآيات القرآن الكريم وتزوير أحاديث كاذبة ونسبتها ظلما لخاتم الأنبياء عليهم السلام قامت عقيدة الشفاعة فى قلوب معظم المسلمين ،مع أنها تخالف الاسلام والقرآن الكريم وتسلب وصف (مالك يوم الدين ) من الله تعالى وتجعل التحكم فى يوم الدين للنبى محمد و عشرات الأئمة والأولياء.
هنا تحتاج الدعوة الى الله تعالى وحده الاها ووليا وشفيعا ونصيرا الى تأصيل قرآنى يتوقف بالهدم و البناء مع تلك العقيدة المتوارثة ، يهدم بالقرآن الكريم أحاديث الشفاعة ويقيم ويبنى معنى الشفاعة الحقيقية من خلال القرآن الكريم.
ومن القضايا العقيدية كالشفاعة الى قضايا العبادة كالحج ، فالحج فى القرآن مختلف عما توارثه المسلمون فى عبادة الحج ،ابتداءا من الوقت المخصص للحج الى بعض فرائض الحج . وحتى فى المعاملات والعلاقات داخل المجتمع وبين الدولة المسلمة و غيرها ، هذا يستلزم تاصيلا قرآنيا فى امور كثيرة لا تبدأ فقط بأمور الأسرة والأحوال الشخصية ( الطلاق مثلا ) والاقتصاد ( الربا مثلا ) ولا تنتهى بالديمقراطية و الشورى وحقوق الانسان وحقوق المواطنة. فى كل تلك القضايا ورث المسلمون تشريعات تنتمى للعصور الوسطى تعبر عن عصرها بقدر ما تخالف القرآن الكريم وحقائق الاسلام .
وبنفس ما إزدهرت ملامح الشرك لدى المسلمين فى تقديس الأولياء وعبادة القبور والأضرحة خلال أكثر من 12 قرنا من الزمان فقد إزدهر لديهم أيضا تشريعات فقهية تمت صياغتها خلال عصور الاستبداد والظلم وفق ثقافة العصور المظلمة . وهذا كله يستلزم دعوة مخلصة لتطهير عقائد المسلمين بالقرآن كما تستلزم تاصيلا قرآنيا يوضح لهم حقائق الاسلام فى شتى مناحى الحياة من عقائد وعبادات ومعاملات.
ثالثا : منهج التأصيل القرآنى :
1 ـ وبالدعوة والتاصيل القرآنى يجتهد أهل القرآن فى عملهم الاصلاحى لاصلاح المسلمين سلميا بالقرآن الكريم من خلال موقع (أهل القرآن ) الذى يضم كوكبة من الباحثين المسلمين من بلاد مختلفة و خلفيات مختلفة وأعمار متباينة ، ولكن تجمعوا فى موقع (اهل القرآن ) يكتبون ويتحاورون ، ويتعلم بعضهم من بعض وكلهم جميعا تلاميذ أمام كتاب الله جل وعلا ، ويرحبون بكل قادم لهم يتحاور ويكتب وفق شروط النشر فى الموقع التى تسرى على الجميع.
ومنذ بدأ موقع (أهل القرآن ) فقد تنوعت فيه الكتابات من الدعوة الى التأصيل ، وهى مرحلة كانت ضرورية يتحسس فيها الموقع طريقه و يتعرف فيه أهل القرآن ببعضهم البعض فى فضاء الانترنت ، وبعد مرحلة العموميات دخل الموقع الى نوع من التخصص استلزم ان ينشأ فيه باب جديد يتخصص فى التأصيل القرآنى ، يرحب باجتهادات المفكرين المسلمين من داخل وخارج اهل القرآن وينشرها طالما تتفق مع شروط النشر فى الموقع . ومفروض فى تلك الاجتهادات ان تأتى بجديد من كنوز القرآن الكريم فى القصص و التشريع و الاعجاز العلمى و شتى ما يثار من قضايا فى العقيدة و الحقوق و غيرها .
وقد سبق للموقع أن نشر الكثير من الاجتهادات،ولكن باب التأصيل لن يعيد نشر ما سبق نشره لأنه معنى أصلا بنشر الجديد ليدفع باحثيه الى المزيد من الاجتهاد والابداع والتدبر القرآنى .
2 ـ باب التأصيل القرآنى فى منهجيته لا يختلف عن منهج أهل القرآن الذى سبق التعرض له أكثر من مرة فى كتابات منشورة فى الموقع ، ولكنه يستلزم من كل باحث أن يبذل جهدا أكثر و اجتهادا أكبر وتدبرا فى القرآن أدق و أشمل ، لأنه مطالب بأن ياتى بجديد يضاف الى رصيده العلمى ، بحيث تذكره الأجيال القادمة.
3 ـ ويمكن لأكثر من باحث الاشتراك فى بحث واحد ، كما يمكن لأى باحث أن يتوسع فى قضية سبق التعرض لها بايجاز ،أو يبنى على إحدى الجزيئات فى بحث مبتكر سبق نشره .
وعلى سبيل المثال فقد تم نشر بحث موجز بعنوان ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم : النسخ فى القرآن يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء ) ،يمكن هنا اعداد بحوث مفصلة تشرح وتفصل القضايا الخاصة بالموضوع مثل : العلاقة بين بداية التدوين وبداية القول بالنسخ التراثى (أى النسخ بمعنى الحذف ) عند المسلمين ، وكتابات المسلمين الأولى التى استعملت مصطلح النسخ بمعنيين متناقضين أى بمعنى الحذف وبمعنى الكتابة ، ودور الشافعى فى تسويغ وتشريع النسخ التراثى أى بمعنى الالغاء والخذف ، والتحورات التى طرات على قضية النسخ بعد الشافعى ، والخلاف بين علماء العصر العباسى فى الايات الناسخة و المنسوخة ، والاحتكام للقرآن الكريم فى كل تلك القضايا وفق منهج التاصيل فى الهدم والبناء.
وقد سبق نشر اجتهادات جزئية فى نفى شفاعة البشر ، ولكن يتسع باب التأصيل للمزيد فى تفصيلات موضوع الشفاعة فى دراسات قرآنية مقارنة ،اى تتناول مقولات شفاعة البشر لدى أهل السنة و التصوف و التشيع ودحضها بالقرآن الكريم ، ومن الممكن تناول دراسات مقارنة بين الشفاعة فى أديان المسلمين الأرضية ونظائرها لدى المسيحية وغيرها ،مع رد القرآن الكريم على تلك المزاعم.
وأثير فى الموقع موضوع نزول القرآن الكريم وتدوينه ، والكتابة القرآنية و ما يسمى بالقراءات والأحرف السبعة و التناقض بين علوم القرآن التراثية و حقائق القرآن .. وهى موضوعات متشعبة و متعمقة لا تزال تحتاج الى بحث واجتهاد أهل التأصيل القرآنى .
ونشر الموقع موضوعات عن الدولة الاسلامية وتناقضها مع الدولة الدينية ، وحقوق الانسان فى الدولة الاسلامية الحقيقية ولكن لا يزال هناك متسع لموضوعات رئيسة مثل تناقض التشريع الاسلامى الحقيقى مع تشريع أديان المسلمين الأرضية ، فى المقاصد و فى الأحكام ومدار التشريع و قواعده ، وتطبيق الشريعة الاسلامية والعقوبات ( الحدود )بين الفرد المسلم والدولة المسلمة ، وبحث المواثيق الدولية لحقوق الانسان من وجهة نظر اسلامية قرآنية .
واهتم الموقع بالقصص القرآنى واختلافه عن الروايات التاريخية ، وتعرض الموقع لنماذج من كتابات الطبرى وغيره ، ولا يزال هناك المزيد فى باب التأصيل القرآنى الذى يتتبع التناقض بين القصص القرآنى عن خاتم النبيين وما كتبه ابن اسحاق وغيره فى السيرة النبوية ، تلك السيرة النبوية التى رسمت شخصية للنبى محمد تناقض صورته الحقيقية فى القرآن الكريم ، فقد كان عليه السلام فى القرآن الكريم (رحمة للعالمين ) فأصبح فى السيرة (النبوية ) زعيما للارهابيين ، وهى نفس الصورة التى عكسها الفقه السنى وغيره فى تشريعاته فى التعامل مع غير المسلمين . وكل ذلك يستحق تاصيلا قرآنيا.
وهناك تساؤلات جرى النقاش عنها فى الموقع ومهمة باب التاصيل أن يجتهد فى الاجابة عنها من وجهة نظر قرآنية ، مثل موضوعات الرق ومعاملة الأسير وحقوق المرأة والجزية و تعيين المرأة أو غير المسلم رئيسا لدولة مسلمة وغيرها من أبحاث جزئية تجتذب النقاش وتستلزم تأصيلا قرآنيا متخصصا.
وكل الأبحاث معروضة للنقاش ، ولكن النقاش يجب ان يكون على مستوى لائق بحيث يبتعد عن الاسفاف و الجدال و المهاترات الشخصية .